مانعيشه اليوم من حوارات كرديه كردية ومعها ننتظر على أحَرّ من الجَمْرِ بأن تفضي إلى ما يثلج صدر كل تواق إلى إحقاق الحق لأنه بالمحصلة ” لا يَصَّحُ إلا الصَّحيحْ ” .
هنا أحببت و رَغِبْت أن ألقي بعض الضوء على مفهوم طالما تردد على أسماعنا في احاديثنا ونقاشاتنا , ألا وهو” تَقَبُّلْ الآخِرْ ” وذلك بغية الإفادة و الإستفادة .
الطبيعة مليئة بالتنوع ؛ لكن الطبيعة البشرية لديها نزوع إلى ماهو مماثل ومشابه ، بهذا الميل يتعارض مبدأ الإنسان مع مبدأ الطبيعة مع إنه جزء من الطبيعة ، فهناك أسباب تقف وراء معارضة الإنسان للطبيعة و لطبيعته و برغبة منه إقصاء كل ماهو مختلف , وهذه الأسباب منها ما يتعلق بطبيعة نفسه أو يتعلق بظروف معيشته ، فإن أول ما يدركه الإنسان هو محيطه القريب فيتشكل لديه وعي و إعتقاد بأن كل الكون على شاكلة المحيط الذي يعيش فيه ؛ كذلك ترسيخ الوعي الأولي لديه نتيجة إستمراره في بيئة واحدة و مع نفس الأشخاص , فلا يعود يتقبل أي مظهر مختلف لِما ألِفَهُ و إعتمده , و كذلك بحكم جهل الإنسان بالطبيعة التي صاحبها منذ بدء حياته على الأرض ومنذ ولادة بذور الوعي الإنساني ولازال فإنه يميل إلى مايشبهه أو جعل ماهو مختلف عنه مشابهاً له , لا لشيء إنما كي يزيد طمأنينته أمام الطبيعة , التي لا يفهمها , فهو يشعر بخوف مبهم تجاه كل ما يختلف عنه , و لا يخضع لما إعتاده , و بالتالي يصبح كل ما هو مختلف عنه خطر يهدد وجوده , ومصدر لعدائه وكرهه ، هذا الخوف وما أنتجه ساهم حقيقةً في تشكيل الثقافات و حكم النظر إلى الآخر المختلف و ما عَزَّزَهُ و قَّواه نظرة العداء المتبادلة للمجموعات المختلفة عن بعضها بسبب المبادرة ذاتها , ومن جهة أُخْرى نزوع السيطرة و المنحصر ببعض الأشخاص ليس عاماً لكن أثره يمتد ليصبح عاماً فمن يميل إلى السيطرة تقوي سيطرته حالة التشابه و يضعفها الإختلاف على سبيل المثال : مَنْ يحكم مجموعة أشخاص أو شعباً يسعى دائماً لتعزيز واقع التشابه و ترسيخ إلغاء لكل ماهو مختلف , وهذه الممارسة نجدها من قبل الزعماء و القادة على مراحل التاريخ وحتى يومنا هذا .
في تاريخنا نحن الكُرْد العديد من الممارسات ( السياسية ، الثقافية ،….الخ ) للتوحيد وإقصاء التنوع من أبرزها ما جرى من توحيد وتقنين للغة الكردية وإعتماد لهجة ( مشتركة ) بحيث تغدو سلسة و مستساغة , لكن لم يتم ذلك حتى تاريخه , رغم بذل جهود حثيثة من لدن المهتمين و المتخصصين اللغويين لم يفض إلى النتيجة المرجوة ، فكل لهجة تسعى أن تكون هي السيدة التي يؤخذ بها .
و أما الممارسات السياسية فَحَدِّثْ ولا حَرَجْ وحتى الآن فَكُلٌ يُغَني على ليلاه .
إذن نستخلص إلى النتيجة الحتمية , و التي مفادها ضرورة صيرورة الوعي الكردي البينية , وذلك نتيجة إزدياد الوعي و الإحتكاك بين الناس ( خاصةً , ونحن نعيش عصر العولمة حيث غدت الكرة الأرضية قرية صغيرة ) , و المجموعات المختلفة , الذي أصبح أمراً مفروضاً لا مَفَّرَ منه ، تَشَكَّلَ وعي مضاد للوعي الأولي , وهو وعي التنوع والإختلاف إنطلاقاً من الطبيعة و إمتداده إلى الإنسان ومظاهر حياته ، ومع إزدياد التقدم و الوعي لدى الفرد وتطلعه إلى عوالم أخرى غير الذي نشأ فيه بل وإرتباطه بِصِلاتٍ مع أفراد آخرين من بيئات وثقافات مختلفة ، هذا الواقع المعاصر وضعنا امام وعي آخر غير الذي إعتدنا عليه .
ما نعيشه اليوم من إجراء حوارات ببنية و التوصل إلى إتفاقات أو رؤى مشتركة ( سياسية ، إدارية , وأمنية دفاعية …..) ماهو إلا تقبل الآخر المختلف ، ولكي نرفع هذا التعارض الذي دخلنا بسببه دوامة من الكراهية و العنف المتبادل وأن ننظر للآخر المختلف عنا نظرة تَقَّبُلْ وإحترام لوجوده .